الاثنين، 2 نوفمبر 2015

الاتجاه المعرفي

الاتجاه المعرفي في علم النفس
________________________________________
ظهر هدا الاتجاه في منتصف القرن العشرين كرد فعل لنظرة السلوكيين المتطرفة التي تركز في دراستها للسلوك البشري على المثير, والاستجابة مع المغالاة في إعطاء الأهمية للمتغيرات والعوامل الخارجية المؤثرة في السلوك وإغفال الحديث عن الاحساسات والمشاعر والقدرات العقلية الداخلية. حيث حاولت المدرسة السلوكية في بدايتها أن ترفض الدراسة الذاتية للحياة العقلية لكي تصبح الدراسة السيكولوجية علمية وموضوعية. وهدا ماجعل علماء النفس يؤمنون بضرورة الدراسة الموضوعية للسلوك البشري. اما علم النفس المعرفي فقد أعاد الاعتبار للحياة العقلية, وابان على انه بالامكان دراسة العمليات العقلية بطريقة علمية وموضوعية. فحسب هدا الاتجاه إن السلوك الإنساني أكثر من كونه استجابة لمثير معين, نظرا لان الفرد يستخدم قدراته العقلية في الاستجابة لهدا المثير. فحينما يدقق الفرد ملاحظته في سلوكه اثناء استجابته لشيء معين فانه يتغير سلوكه نتيجة هده الملاحظة والتفكير الداتي. من جهة اخرى فان التركيز على المثير والاستجابة حسب راي انصار الاتجاه المعرفي يمكن ان يكون فعالا في دراسة اشكال السلوك البسيطة.
يعتقد انصار الاتجاه المعرفي ان الانسان ليس مستقبلا سلبيا نظرا لان العقل يستقبل معلومات ويحولها الى اشكال ونمادج جديدة. مثلا ان صفحة الكتاب بالنسبة للقارىء الدي ينظر اليها بشكل عادي هي عبارة عن اشكال وخطوط نظرا لكون الاحساسات الواردة على البصر هي عبارة عن نمادج لخطوط ضوئية منعكسة على العين. وهده الاشياء تسبب عمليات عصبية تنقل المعلومات الى المخ وينتج عنها النظر والقراءة والتدكر. ان هده العمليات العقلية لاتشمل تحويل الضوء الى صور بصرية فقط, ولكن تتضمن ايضا العمليات التي تقارن الصور المرئية بالصور المخزونة في الذاكرة.
كما يركز أصحاب هدا الاتجاه المعرفي على دراسة العمليات العقلية التي تشمل الإدراك والذاكرة والتفكير التي بواسطته يحصل الفرد عن المعرفة, ويقوم بحل مشاكله ويخطط للمستقبل ويتم تفسير هده العمليات العقلية عن طريق التحليل النظري والتجريب, وهدا التفسير والتحليل يشمل التكهن بالوقائع, الملاحظة لسلوك الأفراد حيث يعتقد أصحاب هده المدرسة على انه بالإمكان وضع نظريات حول العمليات العقلية وكيفية عملها دون الرجوع الى التفسيرات البيولوجية والعصبية.
و يرى الكثير من علماء علم النفس التربوي أن التعلم عبارة عن تغير نسبي في المعرفة أو المهارة أو السلوك نتيجة للممارسة أو الخبرة أو التدريب، ومن المؤكد أن الوظيفة الأساسية للمدرسة مساعدة التلاميذ على التعلم بفاعلية .

وهناك الكثير من النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة التعلم لكونها من أكثر الظواهر التربوية والنفسية استقطاباً لاهتمام علماء النفس التربوي .
وقد تبلورت تلك النظريات في اتجاهين:
الأول : الاتجاه الارتباطي أو السلوكي: ويتزعمه علماء المدرسة السلوكية، وقد استخدمت التجارب الأولى التي قامت عليها تلك النظريات السلوكية صيغاً بسيطة للتعلم مثل الحركات الأولية والمهارات اللفظية والإقدام أو الإحجام عن ممارسة بعض الأنماط السلوكية باستخدام التعزيز.
الثاني: الاتجاه المعرفي: وتقوم التجارب الأولى لنظريات التعلم المعرفي على استخدام صيغ للتعلم أكثر تعقيداً تعتمد على دور العمليات العقلية المعرفية في التعلم.
ويقوم هذا الاتجاه على الاهتمام بالعمليات المعرفية الداخلية، مثل: الانتباه والفهم والذاكرة والاستقبال ومعالجة وتجهيز المعلومات، كما أنه يهتم أيضاً بالعمليات العقلية المعرفية والبنية المعرفية وخصائصها من حيث التمايز والتنظيم والترابط والتكامل والكم والكيف والثبات النسبي ، كما أنه يهتم بالاستراتيجيات المعرفية باعتبارها ترتبط إلى حد كبير بالبنية المعرفية من ناحية أخرى والتي من خلالها يحدث ما يلي:
1-
الانتباه الانتقائي للمعلومات التي تستقبل.
2-
التفسير الانتقائي للمعلومات التي تستقبل.
3-
إعمال التفكير وإعادة صياغة المعلومة وبناء تراكيب معرفية جديدة.
4-
تخزين هذه التراكيب في الذاكرة والاحتفاظ بها لحين الحاجة إليها.
5-
استرجاع أو استعادة المعلومات السابق تخزينها بما يتلاءم مع طبيعة الموقف أو الاستثارة.
ومن رواد الاتجاه المعرفي علماء النفس الألمان (ماكس فرتهيمر)
و (كيرت كوفكا) اللذان انصب اهتمامهما على سيكلوجية الإدراك والتعلم والتفكير . و(كيرت ليفيه) الذي اهتم بمكونات أخرى في الوقف التعليمي مثل المجال النفسي والدافعية والسلوك الاجتماعي إلى جانب ما اهتم به علماء النفس الجشتالتيون وهذه المكونات تشكل المجال الإدراكي للمتعلم، ولذا عرفت نظرية (كيرت ليفيه) باسم نظرالمجال.
كما أسهم في تدعيم هذا الاتجاه كثير من علماء علم النفس المعرفي مثل:ميلر و بوشفيلد و تولفنج و أوزوبل وبرونر وجانييه .
الاتجـاه المعرفي ومحاوره الأساسية :
1-
إن تفسير ظاهرة التعلم في ضوء العلاقة بين المثير والاستجابة ينطوي على تبسيط مخل وتناقض حاد لما تنطوي عليه النفس الإنسانية من إمكانات وقوى وطاقات عقلية معرفية وانفعالية ووجدانية، وهذا التبسيط يعد قاصراً عن تقديم تفسيرات مقنعة لكثير من القضايا والعمليات المرتبطة بظاهرة التعلم وبصفة خاصة التعلم الإنساني.
2-
يعتقد علماء علم النفس المعرفي أن سلوك الشخص هو دائماً محكوم أو على الأقل قائم على ما لدى الفرد من معرفة وأنه نتاج لما يعرفه الفرد
ويفكر فيه.
المفاهيم الأساسية للمنظور المعرفي :
تقوم النظريات المعرفية على عدد من المفاهيم الأساسية. وقد كان لاستخدام هذه المفاهيم أثره المباشر وغير المباشر في التفسير الكيفي لظاهرة التعلم من حيث طبيعتها والعوامل المؤثرة فيها وعملياتها ونواتجها .
ومن أهم تلك المفاهيم :

1-
الكل أو الموقف الكلي
يُشكل الكل المدرك وعلاقته بالأجزاء التي تكوّنه مفهوماً أساسياً من المفاهيم التي قامت عليها نظرية الجشتالت ، والكل هو مدرك سابق منطقياً ومعرفياً عن الأجزاء أو العناصر التي تكوّنه حيث لا تقوم الأخيرة بوظيفتها كأجزاء إلا في إطار هذا الكل.
2-
المعنى :
وهو خبرة شعورية عقلية أو معرفية متمايزة بدقة ومحددة بوضوح تحدث حين تتكامل الرموز والمفاهيم والدلالات وتتفاعل مع بعضها البعض لتكوين المعنى المدرك.
3-
المعرفـة:
يشير مفهوم المعرفة إلى تفاعل كل من العمليات العقلية والعمليات المعرفية (المحتوى المعرفي) والخبرات المباشرة وغير المباشرة التي تنعكس في قدرة الفرد على حل المشكلات .
4-
تجهيز ومعالجة المعلومات:/
ويقصد به بناء تراكيب أو أبنية معرفية تقوم على إدماج المعلومات أو الخبرات الجديدة في المعلومات أو الخبرات السابقة ثم إعادة توظيف أو استخدام ناتج هذا الإدماج في المواقف الجديدة .
وفيما يلي يتم عرض نظريتين من النظريات المعرفية، وهما:
(1)
نظرية الجشتالت.
(2)
نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى.

نظرية الجشتالت
ظهرت هذه النظرية في ألمانيا على يد (فرتهيمر) كرد فعل ورفض للمفاهيم والنظريات السلوكية.. وبخاصة مفهوم العناصر وتحليل السلوك إلى عناصره أو أجزائه الأولى المكونة له.
فنادت هذه النظرية بدراسة السلوك ككل فدراسة السلوك كأجزاء لا يحقق الهدف المرجو من دراسته لأن طريقة الدراسة غير ملائمة ومضللة ...
وقد انطلقت مدرسة الجشتالت من مقالة لـ(فرتهيمر) عن الإدراك الظاهري للحركة أطلق عليها ظاهرة (فاي) ، والأساس الذي تقوم عليه هذه الظاهرة : أنه إذا ومض ضوءان على نحو منقطع وبصورة معينة تتعلق بإيقاع الفرق الزمني بين ظهورها فإنهما يعطيان الانطباع بأن ضوءاً واحداً يتحرك ، وتبدو أهمية هذه الظاهرة في أن إدراك تتابع حركة الضوئين أو الوميضين لا يمكن تفسيره عن طريق تحليل كل من الضوئين الوامضين على نحو متقطع .
أي أن إدراك الحركة نشأ عن عملية مزج للعناصر وإيقاع التتابع بينهما، وهو ما يختلف عن العناصر نفسها، ومعنى هذا أن المدرك يختلف عن أجزائه المكونة له . وقد قادت منطقية هذا التفسير وواقعيته إلى عدة محاور تشكل أهم الأسس التي تقوم عليها نظرية الجشتالت كما أن هذه الظاهرة تفسر لنا الحركة في الصور السينمائية.
المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في النظريـة
جاءت هذه النظرية بعدد من المفاهيم والمصطلحات، منها:
1-
الجشتالت
تشير هذه الكلمة الألمانية الأصل إلى معانٍ مختلفة في اللغة العربية فهي تعني الصيغة أو الشكل أو النمط أو الهيئة أو الصورة أو البنية.
وهو كل متسق أو منتظم أو ذو معنى قابل للإدراك تحكمه علاقات بين مكوناته، وهذه العلاقات هي التي تعطيه صفة الكل وتميزه عن المجموع.
2-
الاستبصار

هو الوصول إلى الحل فجأة وبطريقة سريعة وحاسمة أو هو إدراك العلاقات الموجودة في الموقف المشكل والوصول إلى الحل أو الحلول المناسبة دفعة واحدة .
3-
التوازن أو الاتساق المعرفي
يرتبط هذا المفهوم بتحقيق الفهم الكامل وإيجاد نوع من الانسجام بين الخبرات السابقة لدى الفرد وما يراد اكتسابه من خبرات جديدة من ناحية واستبصار الموقف المشكل والوصول إلى حل له ومن ثم استعادة التوازن المعرفي من ناحية أخرى.
وهذا التوازن يصبح دافعاً داخلياً أصيلاً لدى الفرد وهو أهم في نظرهم من أي مكافآت خارجية أو أية صورة من صور التعزيز أو الدعم، وهذا التوازن هو الدافع إلى الفهم والمعرفة.

4-
إعادة التنظيم الإدراكي
والمقصود به إعادة تنظيم المتغيرات الحسية أو البيئية أو محددات أو معطيات الموقف المشكل بصورة تكتسب معها هذه المتغيرات أو المعطيات معاني أو علاقات جديدة.
ويمكن أن نضرب المثال التالي للعلاقة بين التنظيم الإدراكي واستبصار حل المشكلة.
مثـال: مـن خـلال الـنظر إلـى الأرقـام التـالية أوجـد الرقم المفقود : \[ 08273645 ]
من الممكن أن يكون هناك شيئ من الصعوبة في التعرف على الرقم المفقود.. ولكن لو أعدنا تنظيم هذه الأرقام لتكون \[ 45 36 27 08 ] لأمكن بيسر وسهولة استنتاج الرقم المفقود من حيث أن التنظيم السابق أظهر علاقات بين ثنائيات الأعداد ، وهذه العلاقة تيسر عملية استبصار الحل والوصول إليه.
الفروض التي تقوم عليها نظرية الجشتالت
لقد أقام علماء مدرسة الجشتالت نظريتهم على الفروض التالية:
(1)
عند مواجهة الكائن الحي مشكلة معينة فإنه يصبح في حالة من عدم التوازن المعرفي فيعمل على حل تلك المشكلة لاستعادة التوازن.
(2)
يعتمد نجاح الكائن الحي في حله للمشكلات التي تواجهه على الكيفية التي يُدرك بها محددات أو خصائص الموقف المشكل أي حدوث عملية الاستبصار.
(3)
تحدث عملية الاستبصار من خلال الإدراك المفاجئ للعلاقات بين الوسائل والغايات وإعادة التنظيم الإدراكي لمحددات الموقف المشكل.
(4)
يحدث التعليم عن طريق الاستبصار.
(5)
التعلم القائم على الاستبصار أكثر قابلية للتعميم وأقل قابلية للنسيان.
(6)
يعتمد التعلم عند الجشتالت على دافع أصيل لدى الكائن الحي هو استعادة التوازن المعرفي.
الإجراءات التجريبية
أجرى علماء نفس الجشتالت العديد من التجارب للتحقق من الفروض التي تقوم عليها هذه النظرية. ومن هؤلاء العلماء العالم الألماني \[كوهلر] الذي قام بتصميم وإجراء تجارب على مجموعة من الشمبانزي وقد وصف \[كوهلر] هذه التجارب في كتابه " عقلية القردة " الذي نشر عام 1925م ، وسوف نعرض لنوعين من تجارب \[كوهلر] وهما تجربة العصا وتجربة الصندوق.
تجربة العصـا:
وضع \[كوهلر] قرداً داخل قفص مغلق بإحكام ثم وضع الطعام (الموزه) خارج القفص بحيث لا يمكن الوصول إليها باليد مباشرة، ووضع داخل القفص عصا، وفي البداية حاول القرد أن يصل إلى الطعام باليد لكنه فشل في تلك المحاولة، وبعد فترة لاحظ القرد وجود عصا داخل القفص، فأمسك بها وبدأ في استخدامها استخدامات خاطئة، وفجأة تغير سلوك القرد وأخذ باستخدام العصا بنجاح في جذب الموزه إليه، وعندما كرر كوهلر نفس الموقف المشكل كان القرد يلجأ على الفور إلى ما تعلم، ويستخدم العصا بنجاح وبسرعة بمجرد وضعه في القفص.
وقد قام \[كوهلر] بإجراء تجربة أكثر تعقيداً من التجربة السابقة وتتلخص في أنه وضع داخل القفص عصوين قصيرين لا تكفي إحداهما لجذب الموزه ، ولكن يمكن الحصول على الموزة إذا وضعت إحداهما داخل الأخرى فتتكون عصا طويلة ، وقد استغرق القرد وقتاً طويلاً في محاولات فاشلة لجذب الطعام باستخدام أحد العصوين، وأخيراً أخذ القرد يلعب بالعصوين وفي أثناء لعبه أدخل إحدى العصوين في الأخرى ، فوجد نفسه ممسكاً بعصاً طويلة ، فقفز من مكانه بسرعة كبيرة واستخدم العصا الطويلة في جذب الطعام، ومعنى ذلك أن القرد أدرك العلاقة بين العصوين وعندما كرر \[كوهلر] تجربته قام القرد بوضع إحدى العصوين في الأخرى بمجرد دخوله للقفص واستخدم العصا للحصول على الطعام بنجاح ودون الحاجة إلى محاولات خاطئة .
مما يدل على أن الحل قام على الفهم القائم على إدراك العلاقات الموجودة في المجال الإدراكي.

تجربـة الصندوق
قام \[كوهلر] بوضع القرد داخل قفص ثم وضع الموزه في سقف القفص، ووضع داخل القفص صندوقاً بحيث يؤدي استخدامه إلى حصول القرد على الطعام، وبدأ القرد بمحاولات فاشلة، وأخيراً وقع نظره على الصندوق وفجأة جذب الصندوق أسفل الموزه ثم وثب فوقه ووصل إلى هدفه.
وفي تجربة أخرى أكثر تعقيداً وضع \[كوهلر] داخل القفص صندوقين، بحيث لا يمكن الوصول للطعام إلا بوضعهما فوق بعضهما ، وقد قام القرد بمحاولات فاشلة وفجأة جذب الصندوق الثاني ووضعه فوق الصندوق الأول ثم صعد فوقه وجذب الطعام .
ويتضح من خلال التجارب السابقة تأكيداً ودعماً لنظرية الجشتالت التي ترى بأن التعلم يتم على أساس إدراك العلاقات الموجودة بين عناصر الموقف والموقف ككل، أي فهم الموقف والعناصر التي يتكون منها هذا الموقف في
صيغة كلية.
كما يتضح من هذه التجارب أن وصول الحيوان إلى الحل كان يحدث فجأة وبطريقة سريعة نتيجة حدوث الاستبصار في الموقف المشكل.
قوانين التعلم في نظرية الجشتالت
يؤكد \[كوفكا] أن بعض قوانين الإدراك التي وضعها \[فرتهيمر] تعتبر في ذاتها قوانين للتعلم يمكن بها تفسير بعض مواقف التعلم، ومن هذه القوانين:
قانون الامتـلاء:
فعندما يقول علماء نفس الجشتالت أن شكلاً ما ممتلئ فإنهم يقصدون أن طبيعة هذا الشكل ممتلئة كأحسن ما يمكن في أجزائه ، فإذا كان الشكل مثلاً شكل دائرة فإنه يكون ممتلئاً إذا كانت طبيعته الدائرية ممتلئة كأحسن ما يكون في كل جزء من محيط الدائرة .
قانون القـرب:
إنّ العناصر أو الأشياء تكوّن شكل المجموعات طبقاً للطريقة التي توضع بها، وبالتالي يساعد تقارب الأشياء من بعضها إدراكها كمجموعة أكثر من أن تدرك على أنها وحدات أو عناصر منفصلة.
فمثلاً: إذا رسمت مجموعة من الخطوط المتوازية غير المنتظمة في بعدها، فإن أزواج الخطوط ذات الأبعاد القريبة الطبقة تدرك على أنها مجموعات من الأزواج كما في الشكل التالي:

وهذا يوضح لنا لماذا يحدث التعلم بسرعة في حالة ما إذا كانت عناصر الموقف على خط واحد أو في نفس الاتجاه، كما يحدث في تجارب القردة حينما يوضع العصا والموز في خط واحد مما يسهل إدراك القرد لحل المشكلة والوصول إلى الهدف.
قانون الغلـق:
ويعني أن إدراك الأشكال شبه المغلقة أو شبه الكاملة على أنها وحدات كاملة أو مغلقة يكون أكثر مما تدرك على أنها أشكال وحدات مفتوحة.
يتضح من خلال النظر في الشكل السابق أن إدراك الموضوعات الأكثر إغلاقاً أسرع وأسهل لأنها تميل إلى تكوين الصيغ أو الصور الكلية للأشكال أو الموضوعات ويؤدي قانون الغلق عند الجشتالتيين دوراً مشابهاً لدور التعزيز في النظريات السلوكية.
ولكن التعزيز هنا ليس بالحصول على المكافأة بل في فهم العلاقات التي تربط بين عناصر الموقف وتكوين الصورة أو الصيغة الكلية التي يحققها قانون الغلق، وبالتالي الوصول للحل عن طريق الاستبصار.
التطبيقـات التربوية لنظرية الجشتالت
أفرزت نظرية الجشتالت العديد من التطبيقات التربوية التي يمكن العمل بها داخل الصف، بهدف الوصول إلى تعلم أكثر فاعلية، ومن هذه التطبيقات:
(1)
استشارة دافع الفضول وحب الاستطلاع لدى المتعلم فحل المشكلة التي يقع فيها التلميذ يكون دافعاً له ( استعادة التوازن المعرفي ).
ومن هنا فإن إزالة الغموض أو خفضه يمكن النظر إليه على أنه مكافئ لفكرة التعزيز لدى السلوكيين ومع أن التعزيز لدى السلوكيين خارجي يعتمد على المكافأة الخارجية ، فإن خفض الغموض أو إزالته واستعادة التوازن المعرفي \[ أي الوصول لحل المشكلات ] يمكن أن يكون بمثابة مكافأة داخلية.
ويمكن للمعلم إشباع دافع الفضول وحب الاستطلاع لدى المتعلم عن طريق ترتيب مواقف التعلم بما يحقق هذه الغاية.
(2)
يصف الجشتالتيون الفصل الدراسي بأنه نوع من العلاقة بين المدرس والطالب تقوم على الأخذ والعطاء فالمعلم يساعد الطالب على اكتشاف ورؤية العلاقات وتنظيم الخبرات في أنماط ذات معنى مع تقسيم المقرر الدراسي إلى وحدات ترتبط ببعضها بمفهوم عام.
(3)
وحيث إن التعلم بالاستبصار هو الإدراك الفجائي للعلاقات بين عناصر الموقف فإنه يتضمن دون أدنى شك عمليات عقلية أساسية يمارسها التلميذ في مواقف التعلم ، وهي عمليات الفهم والتفكير وإدراك العلاقات.
مما يعني ارتياد مدرسة الجشتالت لأحد أهم المجالات التطبيقية في علم النفس التربوي المعاصر وهو تنمية التفكير الإبداعي لدى التلاميذ.
وقد أشار \[فرتهيمر] إلى وجود نوعين من أساليب حل المشكلات، نوع يتميز بالاستبصار ونوع يستخدم قواعد قديمة من مواقف سابقة بطريقة غير صحيحة، وقد ضـرب \[فرتهيمر] مثالاً لهـذين النوعـين في كتابه " التفكير الإنتاجي" .. حيث قام بتعليم عدد من الطلاب كيفية إيجاد مساحة المستطيل عن طريق الفهم وليس الحفظ، وذلك عن طريق تقسيم المستطيل إلى مربعات صغيرة ثم أوضح للتلاميذ بأن المساحة الكلية للمستطيل هي عبارة عن حاصل جمع جميع المربعات الموجودة داخل المستطيل . ثم طلب منهم إيجاد مساحة متوازي الأضلاع فانقسم التلاميذ إلى فريقين:
1-
فريق يرى أن هذه المشكلة جديدة عليها وتختلف عن المشكلة السابقة ولم يتوصلوا للحل.
2-
اعتمد الفريق الآخر في الحل على قطع أحد أطراف متوازي الأضلاع ووصله بالطرف الآخر، بحيث يتحول من متوازي الأضلاع إلى مستطيل، وهذا الحل من النوع الأول \[الاستبصار].
نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى لـ(اوزوبل) :
تمثل نظرية \[أوزوبل] للتعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى إحدى النظريات المعرفية الهامة التي حاولت أن تفسر ظاهرة التعلم من منظور معرفي.
الإطار العام للنظريـة
حاول \[أوزوبل] في هذه النظرية تفسير كيف يتعلم الأفراد المادة اللفظية المنطوقة والمقروءة .
ويرى \[أوزوبل] أن المتعلم يستقبل المعلومات اللفظية ويربطها بالمعرفة والخبرات السابقة، وبهذه الطريقة تأخذ المعلومات الجديدة بالإضافة إلى المعلومات السابقة معنى خاصاً لديه ، وعلى ذلك فإن سرعة وفاعلية التعلم تعتمدان على عدة عوامل أهمها:
1-
مدى ارتباط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابقة داخل البناء المعرفي للفرد.
2-
مدى تنظيم المعلومات وترابطها داخل البناء المعرفي للفرد.
3-
مدى قدرة كل من المعلم والمتعلم على اكتساب المعلومات الجديدة الحيوية والمعاني والدلالات.
العوامل التي تؤثر على سرعة وفاعلية التعلم عند \[أوزوبل]
يرى \[أوزوبل] أن هناك بعض العوامل المهمة ليكون التعلم فعالاً ويمكن استعراض هذه العوامل على النحو التالي:
(1)
يرى \[أوزوبل] أن التعلم هو نوع من أنواع النشاط الفعلي المعرفي فيه يتفاعل التمثيل المعرفي الداخلي للمعلومات والخبرات السابقة والمعلومات الجديدة ، وهذا التفاعل هو الذي يؤثر على تعلم المعلومات الجديدة ، فناتج التعلم يختلف باختلاف مدى قدرة المتعلم على عمل الارتباط بين المعلومات الجديدة والمعلومات السابقة. فالارتباط إذا كان حقيقياً كان تأثير التعلم السابق على اللاحق إيجابياً، أما إذا كان الارتباط تعسفياً كان التعلم أقل فاعلية وأكثر قابلية للنسيان.
(2)
تنظيم المعلومات وترابطها داخل البناء المعرفي للفرد ، فهذا التنظيم والترابط يؤدي إلى حماية الفكرة الجديدة من الفقد والنسيان السريع ، فالأفكار التي يتم تنظيمها بوضعها في علاقة ارتباطية مع الأفكار الأخرى تكون أقل عرضة للنسيان من الأفكار التي توضع بمعزل عن غيرها من الأفكار.
وقد أجرى \[براون ومورفي] دراسة بعنوان " البنية العشوائية مقابل البنية المنطقية لدى أطفال ما قبل المدرسة ] حيث عرض على (50) طفلاً في سن (4) سنوات (24) مجموعة من الصور، تحتوي كل مجموعة على
(4)
صور وكانت الصور في بعض المجموعات مترابطة ويمكن ترتيبها بشكل منطقي . والبعض الآخر من المجموعات تحتوي على صور غير مترابطة ويصعب ترتيبها بشكل منطقي.
وكان من بين نتائج تلك الدراسة:
*
أن الأطفال يستطيعون ترتيب مجموعات الصور المترابطة منطقياً بصورة صحيحة بنسبة (90%)، بينما كان من الصعب جداً ترتيب الصور غير المترابطة.
*
كان معدل نسيان الصور غير المترابطة أسرع مع مرور الزمن.
(3)
تزداد قابلية المعلومات للحفظ والتذكر كلما أمكن لكل من المعلم والمتعلم اشتقاق المعاني والدلالات حيث تميل المادة الجديدة إلى أن تكتسب جزء ًا من معناها الإضافي من العناصر المألوفة والمشابهة لها في البنية المعرفية ذات المعنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق